قلة رؤى الصالحين في هذا الزمان لأهل الجنة أو النار
ولنضرب على الغفلة عن الحقائق الإيمانية في أمورنا بمثال، وهو النوم الذي يدرسه الناس ويتعجبون منه، فهناك دراسات نفسية هائلة عن النوم، لكن ليس هناك من يدرس النوم أو الأحلام من زاوية إيمانية، ولذلك نلحظ في هذا العصر قلة رؤى الصالحين بالنسبة لمن قبلنا، ونحن لا نريد أن تصبح الرؤى من الكثرة بحيث يتجاوز بها الحد، فلو سألت أحدنا: هل رأيت في المنام أحداً من أهل الجنة أو من أهل النار مرة في عمرك؟ لأجابك بالنفي؛ لأنه ليس هناك اهتمام بالآخرة، فلا يفكر إلا في الدنيا؛ لأنه ينطبع في القلب صورة ما أنت مهتم به دائماً، كحال أهل الكرة وأهل اللهو وأهل اللعب وأهل الفسق والعياذ بالله. وانظر إلى دواوين الشعر وما ألف وكتب فيها عن طيف الخيال وأن الإنسان إذا عشق ينام ليرى من يحب وما أشبه ذلك، فكل إنسان تكون رؤياه من خلال ما يعتقد ومن خلال ما يقع له على الحقيقة. والحديث عن الرؤى والأحلام حديث طويل، ولكن أردنا استغلال هذه المناسبة لأن نقول: إن الإنسان ليعجب من قلة رؤى الصالحين في هذا الزمن، وما ذاك إلا لأمرين: الأول: أن الناس قل اهتمامهم بها، ولا يعلمون أن لها قيمة وأنها جزء من النبوة، فالنبوة ليس في هذا الوجود أعظم درجة منها، وهذا جزء منها، فجدير أن يهتم بها. الثاني: وهو المشكل والسبب الأكبر: هو انصراف الناس إلى المادة وإلى الحياة الدنيا وإلى الإيمان بالمحسوس انصرافاً جعلهم يتناسون أو ينسون هذا، ولذلك تجد بعضهم إذا رأى رؤيا ليس فيها ما يثير أو يستغرب يتصدع لها قلبه ويكثر من سؤال المعبرين والعلماء والمشايخ؛ لأنها غريبة عليه ما تعودها ولا عهدها. يقول ابن القيم رحمه الله تعالى نقلاً عن ابن أبي الدنيا: (وقال عمرو بن جرير: [إذا دعى العبد لأخيه الميت أتاه بها ملك إلى قبره فقال: يا صاحب القبر! هذه هدية من أخ عليك شفيق] ) وهذا أثر وليس حديثاً. قال: (وقال بشار بن غالب : رأيت رابعة في منامي، وكنت كثير الدعاء لها، فقالت لي: يا بشار بن غالب! هداياك تأتينا على أطباق من نور مخمرة بمناديل الحرير ...) إلى آخره، والمقصود أن هذا شاهد من شواهد الرؤى.قال: (قال ابن أبي الدنيا : حدثنا أبو عبيد بن بحير قال: حدثني بعض أصحابنا قال: رأيت أخاً لي في النوم بعد موته، فقلت: أيصل إليكم دعاء الأحياء؟ قال: إي والله، يترفرف مثل النور ثم يلبسه). فالرؤى هذه وغيرها تدل على ذلك، فكم من معذب في النار رؤي بعد حين وقد انقطع عنه العذاب، أو أخبر أنه كان معذباً ثم انقطع عذابه بصدقة أو دعاء أو عمل صالح أو شيء من فعل الخير. الشاهد أن هذا -إن شاء الله تعالى- لا غبار عليه، وأنه حق بإذن الله، وهو أن العذاب ينقطع عن بعض الناس في قبره.